الخميس، 1 سبتمبر 2011

الأكلان


ترددت كثيرا قبل ان أبدأ فى كتابة هذه القصة ..
قرابة عامان و انا احاول وأد الرغبة فى كتابتها ..
لكنها تغلبت على اخيرا لتخرج الى النور..
و ترددت ايضا فى ان اكتبها بالعامية ام بالفصحى و لكن عشقى للعربية انتصر فلن ان اكون ابدا من راكبى موجة الفرانكو اراب او من كتاب السوقية التى نعانى منها هذه الايام ، و التى ابتكرها الدهماء و السوقة و اصبحت لغة الكثير من الناس ..
فى ظل اعصار من ثقافة الجهل و الحشاشين و المدمنين و قطاع الطرق و اللصوص ..
الذين اصبحت لهم الكلمة و الأمر و النهى ..
اصبح لهم كل ما يريدون ..
و أصبح لهم سطوة المال و الجاه و دان لهم اصحاب السلطان ..
و غلب الناس على امرهم لهم ..
كنت قد نقلت للعمل فى اسوان فى اقصى جنوب مصر ..
و ذلك لأننى رفضت ان أكون من التراب ..
رفضت ان احنى رأسى لغير الله عز وجل ..
و عقب انتهاء الاجازة الشهرية و التى كانت تنتهى فى اول ايام العيد اردت ان امضى يوم العيد مع أسرتى و طلبت يوما اضافيا لذلك مضحيا بالراحة و ثمن التذكرة  ..
ولكن ما قيمة ذلك مقابل يوم مع الاسرة ..
 انه يساوى كنوز الدنيا كلها ..
و بالفعل قمت بذلك ..
و يا ليتنى ما قمت بذلك ..
غلطة عمرى ..
 فلقد اضطررت لركوب قطار الساعة العاشرة مساء و المسمى نفرتيتى و لا يمت لجميلة الجميلات بصلة سوى الاسم ..
العربة عبارة عن كابينتى  نوم  سابقتين و تم فتحهما على بعضهما البعض و تم عمل صفين من المقاعد متقابلين ثلاثة فى كل جهة بدلا من الاسرة ، و لعنة الله على من فكر فى تلك الفكرة المريعة ..
فلقد افسد المنظر بداخلها و افسد الخصوصية للناس و اجبر كل ستة من الناس على الجلوس طوال الطريق فى رفقة اجبارية أيا كان جنسهم ..
هذا بالإضافة الى النظافة الشديدة جدا للعربات ..
و بالطبع امزح فإن القلم يأبى ان يكتب غير ذلك ..
ناهيك عن الركاب الاخرين ..
الرفقة الاجبارية الاضافية ..
 فئران ، صراصير ، ناموس ، و اليك المفاجأة الأكلان ..
نعم الأكلان ..
و لمن لا يعرف ما هو الأكلان هو حشرة البق اللعينة و التى تمضى معها فى ظل الفترة التى كانت تتعطل فيها القطارات قرابة اليوم الكامل لكى تمتص دمك بكل شراهة و تلذذ ..
وكأن الأكلان قد فرض علينا فى كل شئ ..
فى كل أمورنا الحياتية ..
كائنات متسلقة تعيش على دمائنا ، و تسلبنا كل شئ ..
و كانت الرفقة البشرية جميلة بحق و الا كانت ليلة الانتحار ..
اعتقد اننى كنت لألقى بنفسى من القطار لأموت اهون من كل تلك المؤثرات الجميلة و ظللت طيلة الليل واقفا فى الممر بين بين غرف  العربة و بين الباب الرئيسى للعربة فى البرد الشديد  ، خوفا من الأكلان ..
و لكن هيهات فلم تصمد ارادتى اكثر من ثلاث ساعات ..
و بعدها دخلت فى غيبوبة من الالم ..
فليشرب البق ما يريد من دمائى ..
انه اهون من ان اظل واقفا طيلة الليل حتى اسوان لقد كان مشوار عذاب و سجن اجبارى اختيارى ، لا مفر منه الا بترك العمل او ان يمضى العام ..
و كان الاختيار الصعب ..
النوم..
و لم اكد اغط فى النوم حتى شعرت بحركة ناحيتى و اذا به احد رفاق السفر يزيل من على كتفى عدة بقات ..
كما اخذ ينفض سترة حلته الانيقة ، اما الاخر فلقد اخرج من حقيبته شال من الصوف لفه حول رأسه و غط فى سبات عميق ..
وأخذت اتلوى و اهرش و اذرع القطار ذهابا و ايابا و لكن لا مفر من العودة الى البق مرة اخرى و دخلت ووجدت الرجل الذى أيقظنى يغط فى سبات عميق و جارنا الاخر لف عباءته حوله و اسلم الروح ..
و لم اجد مفرا انا ايضا من أفعل مثلما فعلوا و استسلمت و غططت فى سبات عميق ..
و عند وصول القطار قرب الظهيرة وجدت يدى و عنقى و أماكن متفرقة فى جسدى قد التهمت و كذلك من كانوا معى و انطلقت التعليقات المرحة على الرغم من صعوبة الموقف كعادتنا نحن المصريين ..
و اسلمنا امرنا الى الله و ايقنا مما حدث لنا اننا من ركاب مرحلة الاكلان .

                                                                        تمت بحمد الله 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق